سورة طه - تفسير تفسير البغوي

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (طه)


        


{فَلا يَصُدَّنَّكَ عَنْهَا} فلا يصرفنك عن الإيمان بالساعة، {مَنْ لا يُؤْمِنُ بِهَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ} مراده خالف أمر الله {فَتَرْدَى} أي: فتهلك. قوله عز وجل: {وَمَا تِلْكَ بِيَمِينِكَ يَا مُوسَى} سؤال تقرير، والحكمة في هذا السؤال: تنبيهه وتوقيفه على أنها عصا حتى إذا قلبها حية علم أنه معجزة عظيمة. وهذا على عادة العرب، يقول الرجل لغيره: هل تعرف هذا؟ وهو لا يشك أنه يعرفه، ويريد أن ينضم إقراره بلسانه إلى معرفته بقلبه. {قَالَ هِيَ عَصَايَ} قيل: وكانت لها شعبتان، وفي أسفلها سنان، ولها محجن. قال مقاتل: اسمها نبعة.
{أَتَوَكَّأُ عَلَيْهَا} أعتمد عليها إذا مشيت وإذا أعييت وعند الوثبة، {وَأَهُشُّ بِهَا عَلَى غَنَمِي} أضرب بها الشجرة اليابسة ليسقط ورقها فترعاه الغنم.
وقرأ عكرمة {وأهس} بالسين غير المعجمة، أي: أزجر بها الغنم، والهس: زجر الغنم.
{وَلِيَ فِيهَا مَآرِبُ أُخْرَى} حاجات ومنافع أخرى، جمع مأربة بفتح الراء وضمها، ولم يقل: أخر لرءوس الآي. وأراد بالمآرب: ما يستعمل فيه العصا في السفر، وكان يحمل بها الزاد ويشد بها الحبل فيستقي الماء من البئر، ويقتل بها الحيات، ويحارب بها السباع، ويستظل بها إذا قعد وغير ذلك.
وروى عن ابن عباس: أن موسى كان يحمل عليها زاده وسقاءه، فجعلت متماشيه وتحدثه، وكان يضرب بها الأرض فيخرج ما يأكل يومه، ويركزها فيخرج الماء، فإذا رفعها ذهب الماء، وإذا اشتهى ثمرة ركزها فتغصنت غصن الشجرة وأورقت وأثمرت، وإذا أراد الاستقاء من البئر أدلاها فطالت على طول البئر وصارت شعبتاها كالدلو حتى يستقي، وكانت تضيء بالليل بمنزلة السراج، وإذا ظهر له عدو كانت تحارب وتناضل عنه.


{قَالَ} الله تعالى: {أَلْقِهَا يَا مُوسَى} انبذها، قال وهب: ظن موسى أنه يقول ارفضها. {فَأَلْقَاهَا} على وجه الرفض ثم حانت منه نظرة، {فَإِذَا هِيَ حَيَّةٌ} صفراء من أعظم ما يكون من الحيات، {تَسْعَى} تمشي بسرعة على بطنها وقال في موضع آخر: {كأنها جان} [النمل- 10] وهي الحية الصغيرة الخفيفة الجسم، وقال في موضع: {ثعبان}، وهو أكبر ما يكون من الحيات.
فأما الحية: فإنها تجمع الصغير والكبير والذكر والأنثى. وقيل: الجان: عبارة عن ابتداء حالها، فإنها كانت حية على قدر العصا، ثم كانت تتورم وتنتفخ حتى صارت ثعبانا، والثعبان: عبارة عن انتهاء حالها.
وقيل: إنها كانت في عظم الثعبان وسرعة الجان.
قال محمد بن إسحاق: نظر موسى فإذا العصا حية من أعظم ما يكون من الحيات صارت شعبتاها شدقين لها، والمحجن عنقا وعرفا، تهتز كالنيازك، وعيناها تتقدان كالنار تمر بالصخرة العظيمة مثل الخلفة من الإبل، فتلقمها وتقصف الشجرة العظيمة بأنيابها، ويسمع لأسنانها صريف عظيم. فلما عاين ذلك موسى ولى مدبرا وهرب، ثم ذكر ربه فوقف استحياء منه، ثم نودي: أن يا موسى أقبل وارجع حيث كنت، فرجع وهو شديد الخوف.


{قَالَ خُذْهَا} بيمينك، {وَلا تَخَفْ سَنُعِيدُهَا سِيرَتَهَا الأولَى} هيئتها الأولى، أي: نردها عصا كما كانت، وكان على موسى مدرعة من صوف قد خلها بعيدان، فلما قال الله تعالى: خذها، لف طرف المدرعة على يده، فأمره الله تعالى أن يكشف يده فكشف.
وذكر بعضهم: أنه لما لف كم المدرعة على يده قال له ملك: أرأيت لو أذن الله بما تحاذره أكانت المدرعة تغني عنك شيئا؟ قال: لا ولكني ضعيف، ومن ضعف خلقت، فكشف عن يده ثم وضعها في فم الحية فإذا هي عصا كما كانت، ويده في شعبتها في الموضع الذي كان يضعها إذا توكأ.
قال المفسرون: أراد الله عز وجل أن يري موسى ما أعطاه من الآية التي لا يقدر عليها مخلوق لئلا يفزع منها إذا ألقاها عند فرعون.
وقوله: {سِيرَتَهَا الأولَى} نصب بحذف إلى، يريد: إلى سيرتها الأولى. قوله تعالى: {وَاضْمُمْ يَدَكَ إِلَى جَنَاحِكَ} أي: إبطك، قال مجاهد: تحت عضدك، وجناح الإنسان عضده إلى أصل إبطه. {تَخْرُجْ بَيْضَاءَ} نيرة مشرقة، {مِنْ غَيْرِ سُوءٍ} من غير عيب والسوء هاهنا بمعنى البرص. قال ابن عباس: كان ليده نور ساطع يضيء بالليل والنهار كضوء الشمس والقمر، {آيَةً أُخْرَى} أي: دلالة أخرى على صدقك سوى العصا. {لِنُرِيَكَ مِنْ آيَاتِنَا الْكُبْرَى} ولم يقل الكبر لرءوس الآي. وقيل: فيه إضمار، معناه: لنريك من آياتنا الكبرى، دليله قول ابن عباس: كانت يد موسى أكبر آياته. قال تعالى: {اذْهَبْ إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى} أي: جاوز الحد في العصيان والتمرد، فادعه إلى عبادتي. {قَالَ} موسى: {رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي} وسعه للحق، قال ابن عباس: يريد حتى لا أخاف غيرك، وذلك أن موسى كان يخاف فرعون خوفا شديدا لشدة شوكته وكثرة جنوده، وكان يضيق صدرا بما كلف من مقاومة فرعون وحده، فسأل الله أن يوسع قلبه للحق حتى يعلم أن أحدا لا يقدر على مضرته إلا بإذن الله، وإذا علم ذلك لم يخف فرعون وشدة شوكته وكثرة جنوده.

1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8